نشرت 23-3-2021في موقع وجريدة الوفد
خارج السطر
ـــــــــــــــــــــــ
حكم الجائحة : لا كراهية ولا عداءات
في خندق واحد نجتمع لخير الإنسانية. الأعداء يتكاتفون معا ضد جائحة الألفية الثالثة. تسقط الحواجز الأيدولوجية، وتنهار حدود اللغة والعقيدة والجنس. تُعلن الهدنة بين الشرق والغرب، ويتجمد صراع الحضارات، ويتوقف رجال الدين عن لعن الآخرين.
تتعطل الأحقاد مؤقتا ويتوقف نهر الكراهية عن التدفق، فثمة لحظات استثنائية يبكي فيها الشيوعي على خصمه الرأسمالي في الجهة الأخرى، وتتعاطف فيها أسر هيروشيما ونجازكي مع ورثة من قاموا بالقاء قنبلتي الموت على جدودهم، وينسى فيها اليهود حكاية الهولوكست ويشعرون بالأسى لضحايا الفيروس في بلد المحرقة، وينتهي سباق التسلح بين قطبي العالم، ويتنازل الصينيون عن ثأرهم التاريخي ضد الاحتلال الياباني، وتغفر عائلات المساجين السياسيين للديكتاتور تشياوشيسكو ما فعله بهم.
ثمة لحظات استثنائية سيتركز فيها العمل، المال، الجهد، الفكر، التأمل، البحث، الاستنباط على مواجهة المارد، وصده، وترويضه، والقضاء عليه. سيجتمع الفرقاء على ضفة واحدة، سيتفقون معا، سيُنحون كل شىء يشتت جهدهم، وسيتعاونون من أجل العالم.
أقول لكم : تلك لحظات لا تتكرر كل عقد وربما كل قرن، يستذكر فيها الجميع الدرس الإلهي الخالد بأن كل الخلق إخوة. كلهم من أصل واحد: بيض، زنوج، خلاسيون، شرقيون، غربيون، ومن بلاد القارة القطبية. الجميع ولد آدم، الكل خلق الله، وخلق الله في اختبار مصيري لنسيان الصراعات والخلافات، كل الصراعات وكل الخلافات، والإلتفات لخير الناس، وإنقاذهم والتوصل لعلاج بات لفيروس كورونا.
سيصل الخير ممن نراهم أشرارا، وسيأتي الغيث ممن نعتبرهم شياطينا، وسنرى الدنيا أجمل بالحب، وأرحب بالسلام، وأنقى بالتعايش والتعارف بين الشعوب. سنبصر أن الاختلافات كلها لا تعني شيئا أمام الخطر، وأن الكراهية لا تصنع إمبراطوريات ولا تبني حضارات.
تذكروا يا أخوتي هذه الأسماء جيدا : وليم توماس مورتون، طبيب أمريكي شهير عاش في القرن التاسع عشر، وترك لمليارات البشر من بعده خيرا عظيما عندما ابتكر سنة 1846 المخدر بعد أن كان الناس يموتون وجعا في العمليات الجراحية. ألكسندر فيلمنج، عالم اسكتلندي، اكتشف البنسلين لتستخدمه الناس في كل مكان لعلاج الحمى، السل، وكثير من الأمراض المميتة. فردريك باتنج، طبيب كندي استطاع باكتشافه الأنسولين أن يعالج آثار أحد أخطر الأمراض وهو السكر، وكان الناس يموتون منه.
هؤلاء وغيرهم قدموا للبشرية صنابير خير لا تنضب أبدا. علوم وإجتهادات تُرجمت إلى حياة، فكانوا بما قدموا كمن أحيا الناس جميعا.
البشر إخوة ، فلا تكرههوا أحدا، وحسبنا الكلمات الرائعة التي صاغها لنا يوما الصوفي الطيب محيي الدين بن عربي إذ يقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني. لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ. وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن. أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ركـائـبهُ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني.
والله أعلم.
مصطفى عبيد
Leave a comment