نشرت في جريدة وموقع الوفد 17-4-2023

ــــــــــ

خارج السطر

ـــــــــــــــــــــــ

ضد العقل وضد الدين

لا أتقبل الانسحاق خلف القطيع، تسليم نفسي لغيري ليُفكر عني، الرضا بغمامات وضعها السابقون حتى لا أدقق في الحياة.

 أكره التقليد، وأمقت المحاكاة، وأؤمن أن التطور يستلزم دائما مُغايرة لما سبق من أنماط تفكير، وأعتقد أن الإنسان خلق في أحسن تقويم بامتلاكه العقل وقدرته على استخدامه في شتى الأمور الحياتية. ولا أتصور أبدا أن تغييب العقل زيغ وضلال مثلما يزعم بعض الأوصياء علينا باسم الدين.

في موقع “إسلام ويب” يسأل سائل “ما رأيكم في شخص يفترض تحكيم العقل في بعض المسائل التي يحدث فيها خلاف بين العلماء؟”

 ويجيب المفتي قائلا :”لقد أمرنا أن نعود إلى أهل الذكر وهم العلماء في كل أمر . وأحكام الشرع – من حلال أو حرام- لا تعرف بالعقل، ومن اتبع فيها عقله زاغ وضل. وما أحسن قول الإمام علي رضي الله عنه حين قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح الخف من أسفل.

فإننا أمرنا بمسح أعلى الخف مع أن الأوساخ إنما تنال أسفل الخف.. فلو حكمنا العقل لحكم العقل بأن المسح لأسفل الخف، وهذا على خلاف الشرع.”

ومثل هذا التصور السائد والشائع لدى شرائح مختلفة من أهل الدين والتقوى هو السبب الأول في جمود الفكر الديني بعد اغلاق باب الاجتهاد في القرن الخامس الهجري، وهو ما قاد المسلمين نحو التخلف الحضاري والفكري، المتوارث والذي وصل بنا إلى حال التبعية الكاملة والتامة للآخرين في كل منجزات الحضارة.

ولاشك أنه كلام مُرسل واستنباط في غير محله يخالف آيات التفكر والتدبر والتعقل المتكررة في القرآن الكريم، والتي تعتبر التفكير في كل شئ فريضة لازمة لكل إنسان، وترى أن الفرق بين الحق والضلال يكمن في أن أصحاب الحق تدبروا وشغلوا عقولهم في كل شئ.

واستخدام العبارة المرسلة المنسوبة لعلي ابن أبي طالب هو استخدام في غير محله، لأنها لو صحت لكان مقصده الرأي لا العقل، وشتان بين الإثنين. فالرأي قائم على الهوى، والعقل يستند على علل ومنطق وأسباب.

إن الناس مأمورون بالتفكر والتدبر والبحث عن ما ورائيات كل شئ. ولقد عاب القرآن الكريم على الأمم السابقة، خطابهم الاستسلامي الترحيلي الذي يقول “وجدنا آبائنا لها عابدين” عندما سئلوا عن عبادة غير الله، لأن السابق لا يمثل بالضرورة عين الصواب كما يتصور البعض، فمعنى أن الآباء والأجداد رأوا كذا وكذا لا يعني بالضرورة أن نسير على خطاهم، وإنما علينا أن نُشغل عقولنا التي ميزنا الله بها عن باقي المخلوقات لنفهم وندرك ونعرف الحق.

أما أدعياء الوصاية على الناس بحكم العلم الذي يتصورون أنهم وحدهم حائزيه، فيخالفون مراد الله في نفي الوساطات بين العبد وربه. إذلك لأن مصطلح “أهل الذكر” الذي يستخدمونه دائما للإشارة لأنفسهم باعتبارهم الوسطاء بين الناس والسماء المفترض سؤالهم، لا يعني خريجي الجامع الأزهر، ولا جامعة أم القرى، أو الزيتونة، ولا كل صاحب عمامة هنا أو هناك، وإنما يعني كل عالم في تخصصه، طبا أو فلسفة أو هندسة أو غير ذلك. فضلا عن أن الآية الكريمة اشترطت لسؤال أهل الذكر في الدين عدم العلم، فقالت “إن كنتم لا تعلمون”، ونحن نعلم بحكم القراءة، والقدرة على البحث، والتفكير الذي سماه مفكرنا الراحل عباس محمود العقاد بأنه فريضة إسلامية، وكتب كتابا بهذا العنوان.

وأخيرا، فإن تشبث بعض رجال الدين بمعادة العقل هو أمر ضد العقل وضد الدين، وغاياته.

والله أعلم.

مصطفى عبيد

mostafawfd@hotmail.com

Leave a comment