نشرت 15-5-2017 في الوفد

خارج السطر

مطار نجيب محفوظ

آفة حارتنا النسيان. مقولة كتبها نجيب محفوظ فى روايته الرائعة ” أولا حارتنا ” وتزورنى كُل حين وأنا أتابع مسيرة العظماء والأبطال الحقيقيين فى التاريخ . كم من ساذج ، وانتهازى، وطاغية خُلد ، وكم من شهيد وفدائى ومبدع حقيقى توارى وذوى حتى لم يعُد يُذكره أحد.

لكننا قادرون على تصويب الحال. وأنا لدىَ فكرة تراودنى كلما سافرت عبر مطار القاهرة تتلخص فى اطلاق أسماء رموز مصر العالمية على صالات الوصول والسفر، فبدلاً من تسمية المطار بالمطار الجديد والقديم، يُمكن التفرقة بينهما بتسمية الأول باسم مطار نجيب محفوظ والثانى باسم مطار أم كلثوم . إن الشخصيتين المصريتين هُما الأكثر تأثيراً فى العالم خلال القرن المنصرم ، وهُما التجسيد الحقيقى للعطاء ، والفن، والابداع .

 المُعتاد والمتكرر فيما حولنا أن تتم  تسمية الميادين والشوارع والمطارات بأسماء القادة والرؤساء والزعماء ، فذلك مطار أتاتورك فى اسطنبول ، وهُناك مطار جون كينيدى فى نيويورك، ومطار شارل ديجول فى فرنسا ، وبن جوريون فى تل أبيب. أما الاستثناء والجديد أن تُسمى المطارات بأسماء الرموز الشامخة وأذرع القوى الناعمة اللا محدودة ، والتى ساهمت فى بناء مجد مصر وانتصارها حضاريا. تخيلوا معى  لو رأى السائح مطار القاهرة باسم نجيب محفوظ أو أم كلثوم ، لو تكررت على مسامع الناس أسماء شوارع  وميادين لتوفيق الحكيم ويحيى حقى وأحمد شوقى وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وبليغ حمدى ، وعبد الحليم حافظ ،ولو أطلقنا أسماء كتاب عظام مثل لويس عوض، وسلامة موسى ، وعبد الرحمن الشرقاوى وغيرهم على محطات المترو للمرحلة الجديدة .

لقد أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى على أول حاملتى طائرات تمتلكهما مصر فى تاريخها العسكرى اسمى الرئيسين جمال عبد الناصر ، وأنور السادات ، وصارت قوة الردع الجديدة مقترنة باسميهما، ورغم اختلاف بعضنا مع الرجلين إلا أن الخطوة مثلت لمسة وفاء وعرفان  وانكار للذات . ومما يذكر للرئيس السيسى أنه لم يُسم مُنشأة أو مشروعاً أو ميداناً باسمه ، رغم أن مَن كانوا قبله فعلوا وأسرفوا ، فذلك عبد الناصر الذى سمى حياَ سكنيا لمحدودى الدخل باسمه وهو منشأة ناصر ، ثُم أطلق على بحيرة صناعية كبرى اسمه، ثُم توالى اطلاق اسم ” ناصر ” على كل شئ حتى أنه لا تخلو محافظة أو مدينة من اسم الرجل.

ومما يلفت النظر أن عبد الناصر أطلق أسماء أصدقائه على عدة شوارع فى بلادنا ويكفى أن أكبر وأهم شارع فى مصر يحمل إلى اليوم اسم صلاح سالم ، ذلك الذى كان أحد معاول تشويه الضباط الأحرار بغطرسته وتطرفه وسوء تصرفاته . لقد كتبت من قبل مقالاً عن ذلك الشارع باسم ” الشارع الغلط ” مُندهشا أن تُخلد مصر ذلك الرجل الذى لم يمنحها أى عطاء حقيقى بينما تنسى المبدعين والعظماء والوطنيين الحقيقيين .

 وفى تصورى وظنى أنه آن الأوان لتلتفت الدولة بمؤسساتها لرموز أخرى فى مجالات التحضر والإبداع مُخلدة إياها ومحتفية بها .

والله أعلى وأعلم .

مصطفى عبيد

mosatafwfd@hotmail.com

Leave a comment