نشرت 26-12-2016 في موقع وجريدة الوفد

خارج السطر

رصاصة فى قلب إبراهيم عيسى

ما قيمة الفن إن لم يُقاوم ؟ إن لم يقف كمصدات أمام عواصف القُبح ؟ إن لم يرُد باطلاً ، إن لم يمحو شراً ، ويُبدد ظُلمة ، ويفتح نوافذ على الحُرية .

برواية ، بقصيدة ، بأغنية ، بفيلم سينمائى يرُد المبدعون على التطرف والتعصب ودوامات الكراهية المُحيطة . يرسمون أقمارهم ، وينثرون محبتهم للحياة والناس والعقل فى أعمال فنية خالدة .

إبراهيم عيسى مثال جميل لأحد أعمدة المقاومة . تختلف معه كثيراً ، وتشتبك معه أكثر ، لكنك لا تستطيع أن تخلع عنه قميص المبدع ، لا يمكنك أن تمحو عنه جرأة الفنان المُنتصر للعقل والتحضر والقيم الجمالية .

فى روايته الأحدث ” رحلة الدم ” يسافر إبراهيم  عبر تواريخ مضت ليفتح جراحاً منسية مُحللا كيفية تحول الخير إلى شر ، وتطور الأتقياء إلى قتلة ، وانقلاب المُبشرين بدين الله إلى مُجرمين . يدوس ” عيسى ” الذى تفوق كأديب على عمله الصحفى والإعلامى على أرضيات من الزجاج المكسور ، ناقلاً قدميه بين لُغم ولُغم ، ومُقترباً من مأساة يعيشها المسلمون على مدى 14 قرناً ولا يقتربون منها حرجاً أو خوفاً أو تجاهلاً .

و يُقدم  لنا ” عيسى ” حياة القاتل الأشهر عبد الرحمن بن ملجم الذى وصلت به تقواه وحماسته للإسلام إلى درجة استحلال دم الإمام على بن أبى طالب صهر النبى وإبن عمه وأول المسلمين من الصبية. كان إبن ملجم مُعلماً للقرآن ، تقرحت جبهته من السجود ، وانخلع فؤاده حُبا للإسلام وتعصباً له ، وتصور أن عبارة ” الحُكم لله ” التى وردت بالقرآن تعنى أنه لا حُكم للبشر ، ودفعته عبادته للنصوص دون تفكر أو تدبر أن يستل سيفاً ليضرب به رأس على ظاناً أنه بذلك يُمهد طريقه نحو الجنة .

وتحكى الرواية فى إطار درامى مشوق كيف استغل الناس ــ بعضهم من الصحابة ــ كلام الله ليحوزوا نفوذا وإمارات وأموال . كيف تاجروا بكُل شئ نصرة لدُنياهم ومطالبهم الذاتية ، لأنهم كانوا بشراً لا ملائكة ، أناساً مثلنا فيهم الضعف والخوف والغدر والحقد والكراهية والجشع مثلما تفيض قلوبهم بالخير والحب والسلام والقناعة .

لقد كانت الكارثة أننا رضينا أفعالهم وأقوالهم وتصوراتهم لتفسير الدين كأنهم قديسين ، أخيار ، لا يأتيهم الباطل ، ولايفلت منهم الحق ، فالتبس علينا الدين، واختلط الإسلام بأفعال شخصية ،  ولم نستطع أن نُفرق بين الدين كباعث نهضة وبئر خير وينبوع سلام وبين أفعال المسلمين بما فيها من ظلم وقهر وتعصب.

فى ظنى فإن إبراهيم عيسى سنّ سيف قاتله . ويقينى أنه نبش قبره بيديه ، عندما غامر بدخول حقل ألغام التأسلم . سيقتلونه . فعلاً أو تشويهاً . سيكفرونه وسيصمونه بكل موبق . سيرمونه بالعمالة والخيانة وسيطاردونه بالخوف والكراهية . سيفخخون مايقول ، وسيحرضون أنقيائهم المُخلصين عليه باعتباره سلما إلى الجنة.

سيموت  بالرصاص، باللغم ، بالسكين ، بضربة طائشة ، بغضبة داعشى ، لكن  فى مثل هذه الظروف فإن الموت حياة ، لأن الكلمة الصادقة لا تموت ، واللحن الجميل لا يضيع ، والإبداع  الطيب لا يذهب سُدى .

ما كتبه إبراهيم عيسى يستحق التحية ، والإهتمام ، ولفت الأنظار، لذا فقد كتبت هذا المقال . والله أعلم .

مصطفى عبيد

mostafawfd@hotmail.com

اترك تعليق