نشرت 1-5-2023 خارج السطر ــــــــــــــــــــــــــ كان اسمه سوار الذهب بوله حقيقي أتحسس أخبارها، وبحنين جارف أتذكر وجوها أصدقاء ومعارفا مَد الأدب والابداع جسور تلاقي بيننا. تخترق السودان ثنايا القلب، وتتمدد فيه بذكريات ومواقف وتاريخ مشترك يدفعنا أن نشعر بالأسى لكل نقطة دم تُراق في سبيل السلطة. أتذكر جيدا لقائى قبل نحو عقد ونصف بأعظم سوداني عرفته، كونه شخصا استثنائيا لا يتكرر، ليس في السودان وحدها، وإنما في العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج، وهو عبد الرحمن سوار الذهب. رجل تعرفه قبل أن تعرفه، تصفو روحك له، تشتاق للجلوس إليه ، تختبر صدق كلماته في عقلك وروحك، وتتأمل نقاء تعبيراته، لتدرك أنه مازال هُناك نقاء حقيقي على هذه الأرض. ينغرس اسم سوار الذهب في ذاكرتي وتلتصق ملامحه في قلبي حيث كان لي معه أغرب لقاء صحفي مر بي في عمري المهني. في شتاء 2007 كُنت في العاصمة السودانية في مهمة عمل صحفية، وطلبت من السفير محمد عبد المنعم الشاذلي سفير مصر الأسبق هناك التوسط لي للقاء المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وتفضل مشكورا بالإتصال به وتحديد موعد. أول الدهشة بالنسبة لي كانت في تحديد مكان اللقاء بمسجد بضواحي العاصمة السودانية. وكان الموعد، بعد صلاة العصرحيث لا صلوات تطوع أو سنن. ثاني ما أدهشني أن الرجل بلا حراس ولا مرافقين، ويقف في الصف الأول بسبب حضوره مبكرا لا لمكانته وشهرته. خلفه، صليت متفكرا كيف طلّق هذا الرجل سحر السلطة حين أننه على طبق ذهبي ، واختار أن يُلقي الكرة في ملعب الشعب تختار مَن تريد بشرط ألا يكون هو مرشحا للاختيار؟ صافحته بابتسامة مودة، وجلسنا في إحدى الأركان نتحدث بهدوء بعد انصراف المصلين. في ذهني دارت تجربته عندما كان وزيرا للدفاع في السودان الشقيق، وقامت إنتفاضة شعبية ضد الرئيس جعفر نميري عقب سفره خارج البلاد، ووقف الجيش السوداني إلى جانب الناس، ورفض عودة نميري، مقررا الإطاحة به وتسلم الرجل السلطة لمدة عام واحد تعهد فيه بتسليم الحكم للشعب خلال سنة ووفى بتعهده. سألته كيف لم تُغره السلطة، وقد أغرت نساكاً وأنقياء وحولتهم إلى جبابرة ؟ فأجاب بأن يقينه بزوال كل ما على الأرض دفعه دفعا إلى الوفاء بعهده والانتصار للناس. قُلت له : ماذا لو كان الناس يريدونك؟ فقال إن وسيلة الناس للإختيار هي الإنتخابات، وأنا لا يُمكن أن أُسلم البلاد للشعب وأكون أحد خيارتهم. “وفيت بما وعدت. وصُنت البلد في وضع صعب. وغادرت عندما كان لابد أن أغادر.” لمحت زهدا في عينيه ورضا تام وهو يعرج بالحديث عن مصر وعظمتها وجمالها وطيبة ناسها، ثم يرجوني بصدق ألا أنشر حواري معه، حيث اختار التصوف والبعد عن الأضواء تماما راضيا بما حقق، رانيا  نحو حياة أخرى في مكان آخر تدوم. طلبت أن أصوره، فأبي راجيا بأدب جم أن يبقى حديثنا كرجلين ارتاحا للحديث معا، لا كصحفي ومسئول. “لست مسئولا عن شئ، لكننا جميعا مسئولون أمام الله في يوم قريب”. هكذا قال لي وهو يُكرر بأنه سعيد باللقاء الإنساني وأنه يرجو عدم النشر. عانقته وأنا سعيد برجل يعيش بكيانه في الآخرة. يرنو إليها كأنه يراها.يضعها في كل حساباته حتى حساب ظهوره في حوار صحفي بمظهر جميل قد يحمل شبهة الرياء في العمل. في وصيته المكتوبة رجا أن يُدفن بالبقيع بمدينة رسول الله. وأجاب العاهل السعودي رجائه. ودفن هناك. فاللهم ارحمه. مصطفى عبيد mostafawfd@hotmail.com      

اترك تعليق