نشرت 9-1-2023
خارج السطر
ــــــــــــــــــــــ
لماذا تخلف العرب قرونا ؟
ثمة سؤال أزلي، مُلح يُزغزغ عقلي منذ الصغر، ويُشاكسني كل هُنيهة، ومازال يزورني وأنا أعبر نحو ضفة الشيوخ الحكماء، هو ما سر تخلفنا : شرقا، عربا، مصريين؟
ليس أدل على صحة السؤال من نظرة سريعة على قوائم الحاصلين على جوائز نوبل في الطب، الفيزياء، الكيمياء، والآداب لنُدرك أننا بعيدين بعيدين.
وليس أكثر إقناعا من أن علماء العرب والمسلمين العظام مثل البيروني، وابن الهيثم، وابن سينا لم يتكرروا على مدى ثمانية قرون.
وليس أوضح من أن كافة الابتكارات والاختراعات العظمى والاكتشافات العظيمة لم تولد في بلادنا.
يتعدد السؤال المطروح ويتشعب ليأخذ صيغا أكثر شمولا من نوعية : لماذا نعاني انهزاما دائما؟ ولماذا لا ننعم بالرخاء والتقدم؟ ولماذا لا نتمتع بالعدالة؟ ولم تنتشر الخرافات لدينا، ويتسع الفساد، ويسود الظلم، ونخسر في كافة الميادين؟
إنظروا إلى ترتيب الجامعات في العالم، وأسألوا أنفسكم أين جامعات العرب؟ أسألوا عن أفضل مناهج التفكير وابحثوا عن شخص عربي شارك في وضع أيا منها؟
لاحظوا معي أن العرب لم يصنعوا القنبلة الذرية، ولم يقدموا للإنسانية عطاءا حقيقيا في مجال الطب، ولم يضعوا نظريات وأفكار ومناهج علمية، وظلوا مقلدين تابعين مُكررين، مُنشغلين بالصغائر، ومُهدرين أوقاتهم في معارك الكلام.
لا أظن أن الأمر مجرد حظ، ولا أصدق أن المناخ الحار في نصف العالم الجنوبي يقود نحو التخلف، ولا أعتقد أن ثمة مؤامرة دائمة لتقزيم العرب وقهر المسلمين، ولا أؤمن أن الجينات الموروثة بين أجناس العرب تدفعهم إلى الاستكانة والتبلد، ولا أقبل ما يطرحه البعض من أن التراث الديني الذي يحض على الزهد وازدراء الدنيا هو الذي يُجمدنا في أماكننا. كذلك لا أتصور أن قضاء الله وقدره أراد لنا التخلف الدائم، لأن هناك أمم ومجتمعات وشعوب تبدلت وتغيرت وتطورت وانقلبت أحوالها.
في ظني ـ وكل ظنوني آثام لأنني أفكر ـ فإن الاستبداد والآحادية السائدة والشائعة هي التي حكمت على كل طارح فكر أو رأي يبدو مخالفا للقطيع بالمروق والخيانة والكفر. وهذه الآحادية ولدت تقريبا قبل ألف سنة عندما قرر الخليفة العباسي القادر بالله إغلاق باب الاجتهاد تماما لأنه رأى أن هناك تشتت في المذاهب واختلاف في الآراء الفكرية، وهكذا تحالف الاستبداد السياسي، مع التعصب الديني لوأد العقل العربي تماما، رغم أن الخطاب القرآني عاب على الأمم السابقة مقولة “وجدنا آباءنا لها عابدين”.
وهذا ما يطرحه كاتب أمريكي فذ من أصول تركية، يعمل أستاذا للعلوم السياسية في جامعة سان دييجو، اسمه أحمد كورو في كتاب صدر حديثا بعنوان “الاسلام: السلطوية والتأخر”، إذ يشير بوضوح إلى أن السر في تأخر العرب والمسلمين هو ذلك التحالف المشئوم بين رجال الدين ورجال السياسة. لقد رسخ الإمام أبو حامد الغزالي فكرة أن الدين والحكم توأمان، واستغلتها السلطة الحاكمة، وحولتها الدولة العثمانية فيما بعد إلى واقع عملي لغزو الأرض وإقامة الإمبراطورية.
والحل طويل المدى لكنه ممكن، وهو مهة أجيال من المفكرين والباحثين والساسة المؤمنين بضرورة التغير ويتمثل في غرس بذور مقاومة الآحادية في الأجيال القادمة، وكسر هذه الآحادية سواء الحاكمة للفكر السياسي، أو للفكر الديني.
إن إرساء التعددية هو الطريق لمغادرة التخلف.
والله أعلم
مصطفى عبيد
اترك تعليق