نشرت 10-7-2023 في موقع وجريدة الوفد
خارج السطر
ــــــــــــــــــــــــ
لماذا تلكأ محمد علي في تغيير التاريخ الحديث؟
” نستطيع التقدم حتى الآستانة بمصاحبة الصدر الأعظم، وعزل السلطان فورا بلا أي مشاكل. لكننا نريد أن نعرف، وفي أسرع وقت ممكن إذا كنتم تريدون تنفيذ هذا المشروع أم لا، فالتسوية الحقيقية لموضوعنا لن تتم إلا في الآستانة”.
كانت هذه رسالة القائد إبراهيم إلى والده محمد علي بعد انتصار الجيش المصري على الجيش العثماني في موقعة قونية سنة 1832، وأسر قائد الجيش العثماني، الصدر الأعظم محمد رشيد. وهي لحظة فارقة في التاريخ المصري الحديث، إذ تُعد من أهم الفرص الضائعة لمشروع محمد علي التوسعي، حيث كان قادرا في ذلك الوقت تحديدا على خلع السلطان العثماني ووراثة دولته المريضة.
لكن تبقى دراسة التاريخ ماتعة عندما تنفتح أسئلتها المحيرة، لتُعلمنا ما قد يعد مهما ومفيدا في الحاضر والمستقبل، ومنها ذلك السؤال الهام عما دفع محمد علي إلى اهدار فرصة امتلاك أكبر دولة قائمة في العالم في ذلك الوقت.
يحكي المؤرخ المُهم محمد السوربوني أن الجيش المصري انطلق من قونية في مطلع سنة 1833، ووصل كوتاهية، ثم صار على مسافة 50 فرسخا من أبواب الآستانة، لكن إبراهيم باشا تلقى رسالة من والده تأمره بالتوقف فورا لأنه وعد قناصل أوروبا بذلك في إطار سعيه لاتفاق سلام.
ما منع محمد علي من تحقيق أكبر تتويج لمشروعه بنقل الخلافة من الآستانة إلى القاهرة؟ وما دفعه إلى إهدار هذه الفرصة التاريخية العظيمة؟ هل اكتفى بما تحقق، ورفض طبق الذهب الممدود إليه زهدا أم خوفا؟
يتصور المفكرون الذين تناولوا هذا السؤال، وعلى رأسهم “السوربوني” أن إبراهيم باشا كان أذكى وأصلب وأرجح رأيا من والده في إتمام مشروع الدولة المصرية الكبرى بحكم احتكاكه الميداني بساحات القتال، وتعرفه على مواقع الخلل في جانب الخصم، وإيمانه بقوة رجاله وصلابتهم. كما أن محمد علي كان يراهن الرهان الخاطئ، متصورا أن دول أوروبا ستساعده لتثبيت دعائم مملكته الجديدة. وهنا فقد توقف، واستجاب لوساطات قناصل أوروبا، وتقبل دون أي ضغط وقف القتال، رغم قدرته على اجتياح عاصمة الخلافة وشطبها وتغيير التاريخ تغييرا جذريا.
ويبدو أن إبراهيم باشا كان موجوعا بذلك لدرجة أنه عاتب والده مرارا وتكرارا، وأكد له في رسائل أخرى أن السلطان العثماني محمود، لن يغفر له ما حدث وسيبقى يتآمر للإيقاع به والانتقام منه عند كل شاردة. وأثبتت الأيام صدق تحليل الابن، إذ استؤنفت الحرب بعد بضعة سنوات، ودبرت الثورات والقلاقل ضد الوجود المصري في الشام، وانتصرت مصر مرة أخرى، وكان الأخطر قيام أحمد باشا قائد الأسطول العثماني بالابحار سرا إلى الأسكندرية وتسليم محمد علي كامل قطع الأسطول، لكن هذه الخطوة آثارت قلق بريطانيا التي تحولت إلى خصم مباشر لمحمد علي وضربت سفنها القوات المصرية في الشام، واضطر الباشا إلى قبول إتفاقية لندن1840 لتثبيته في الحكم هو وأسرته مقابل الانسحاب من سوريا، وتسليم الأسطول اللاجئ إليه.
وتبقى الفرص الضائعة في تاريخنا الحديث محل بحث وتفكر وتدبر، وأهم درس نستخلصه مما جرى هو أن الرهان على الدول الأجنبية هو بداية كسر أي مشروع وطني. والله أعلم.
مصطفى عبيد
اترك تعليق