نشرت في الوفد 3-8-2016
أحمد زويل رحل إلى الجنة
مصطفى عبيد
رحل أحمد زويل.
مرفرفاً كطير فى سماء لا حدود لها أقلع الرجل الذى صاغ من العِلم ميثاقاً ودرباً للتحضر وخدمة الإنسان .
فى غيبة تصوف انخلع من عالم الأضواء والصيت إلى سجل الخالدين كاتباً شهادة إيمان وقرب مصداقاً لقوله تعالى ” إنما يخشى الله من عباده العلماء “.
كان مُنذ فوزه بجائزة نوبل فى الفيزياء رمزاً نادراً على عظمة وقدرة الإنسان المصرى على التفوق والتقدم فى ظل حاضنات مساندة، وهو ما جعله يقول ” أن الغرب ليسوا عباقرة وإنما هم يقفون إلى جوار الفاشل حتى ينجح بينما نحن نقف أمام الناجح حتى يفشل “.
من دمنهور بدلتا مصر انبعث سنة 1946 من عائلة اشتهرت بعمل كثير من أفرادها فى مناصب القضاء والجامعات والمعاهد العلمية، والتحق بمدرسة حكومية ــ وقت أن كان هُناك تعليم جيد فى مصر، ورغم أنه لم يكُن يحب اتساع مساحة الحفظ فى مناهج التعليم إلا أنه وجد نفسه مُقبلاً على الموضوعات التحليلية طارحاً سؤال ” لماذا ” و” كيف”، وكان التاريخ أهم متعة لازمته منذ الصغر وحتى بعد حصوله على الجائزة .
ومع تفوقه البادى فى المواد العلمية أبدى والده رغبة فى أن يلحقه بمعهد زراعى ليتخرج مهندسا زراعيا وينطلق للحياة العملية ، لكنه أبى وأبدى رغبة شديدة فى الإلتحاق بجامعة الأسكندرية وشجعته والدته وخاله ليدخل كلية العلوم لينتقل إلى الاسكندرية وحيدا دون عائلته. وهُناك ــ فى حرم الجامعة ــ انهمرت دموعه فرحا لوجوده فى حرم العلم والعلماء الذى تنطلق منه ابداعات العقول.
والمُثير للإنتباه أن الرجل درس كل مقررات الكلية باللغة العربية ولم يبدأ الاعتماد على المراجع والكتب الأجنبية إلا فى السنة النهائية . وبدأ الطالب يتابع مسيرات العباقرة مُستلهما قول اسحق نيوتن” إنما تعود نظرتى البعيدة والعميقة للاشياء إلى اننى وقفت على مناكب العباقرة ” .
وفى السنة النهائية سنة 1967 حصل زويل على تقدير امتياز بمجموع درجات 93% وتم تعيينه معيدا بالكلية ليستكمل بحوثه ودراساته فى ظل ظروف سيئة عقب نكسة يونيو، وهو ما دفعه للتفكير جديا فى استكمال دراساته فى الولايات المتحدة نظرا لأن استاذه قضى بضع سنين فى أمريكا وشجعه بعضهم على ذلك خاصة أن الولايات المتحدة كانت أول دولة فى العالم فى البحث العلمى وتقدم بالفعل لثلاث جامعات حتى وصلته منحة من جامعة بنسلفانيا ، إلا أن الجامعة اشترطت مخاطبة الجامعة الامريكية لها وقيامها بترشيح من تراه . المهم أن ” زويل” واصل جهوده ليتم ترشيحه بالفعل وقال له وقتها نائب رئيس الجامعة أنه سيوقع على موافقة الجامعة ، لكنه لن يعود ثانية .
بالفعل هناك وجد تعليما آخرا، ووجد رحابة لعمل دراسات وابحاث عظيمة فى الكيمياء والفيزياء والهندسة الكهربائية ، ورغم وجود حواجز ثقافية وسياسية وجد الفتى نفسه مُنخرطا ونكبا على العلم وحده ، يجرى بحوثه ، ويتابع تجاربه حتى حصل على الدكتوراة بعد أسابيع قليلة من مصر أكتوبر 1973 ، مستهلا تلك الرسالة بقول أحد أساتذته ” لا يوجد هناك سبب للإفتراض بأن العرب فقدوا قدرتهم على الايمان أو الابداع والخيال فهم كانوا فى حقبة من الزمن منهل العلم للغرب. “وأخذ الرجل بمقولة إينشتاين التى تقول ” لا أشغل نفسى بالمستقبل ، فالمستقبل آت بأسرع مما نتصور ” ليبنى مستقبله اعتمادا على الأبحاث والدراسات العلمية التى تكتشف ما يفيد الإنسانية.
وفى كاليفورنيا انبهر زويل بمعمل بيركلى وانطلق بأبحاث متميزة أهلته بعد ذلك للالتحاق بجامعة كالتك . ووجد العالم المصرى ضالته فى متابعة ترابط الجزئيات والذرات وتطبيقاتها وتنهمك مع مجموعة علماء فى متابعة حركة الذرات ، ومتابعة قياسات الزمن، وألقى محاضرات عديدة عن اكتشافاته فى ذلك الشأن خاصة ما يتعلق بالفيمتو ثانية والتى كانت سببا فى منحه جوائز دولية عديدة ربما اهمها جائزة الملك فيصل الدولية ثم حصل على جائزة وولف سنة 1993 ثم جائزة فرانكلين سنة 1998 قبل ان تتوج مسيرته بالحصول على جائزة نوبل سنة 1999 فى الكيمياء.
وظل الرجل بعد ذلك وفيا لمصر ، داعما لها ، مناديا بثورة تكنولوجية ، ونهضة تعليمية شاملة مكررا مقولة ” العلم فى الغربة وطن ، والجهل فى الوطن غربة “ومكررا فى أحاديث صحفية عديدة بأن” التقدم له جناحان هما العلم والديمقراطية “. وفى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى فى مارس 2015 سمعته يقدم كلمته كوصية لمصر قائلاً ” إن مصر هى بلد الشباب وهو ما يتطلب اهتماما كبيرا بتعليمهم للاستفادة منهم. وهو ما أدركته الهند وأنشئت لذلك عشرات المعاهد المتخصصة فى العلوم والتكنولوجيا وصارت الآن ثانى دولة فى مجال البرمجيات على مستوى العالم.”
اترك تعليق