نشرت في المصري اليوم بتاريخ 27مارس 2025

بدل السكوت

ــــــــــــ

الانتصار بالخرافة …هزيمة كبرى

مصطفى عبيد

ــــــــــــــــــــ

تبدو الحكاية غريبة، لكن مدلولاتها مُنبهة، وملفتة، ودالة على كثير من السمات السلبية التي سكنت شوارعنا، وحكمت مُجتمعاتنا، وهيمنت على أذهان العامة والخاصة على السواء. والضمير هُنا “نا” يعود علينا مصريين، وعرباً، ومُسلمين.

الحكاية ببساطة أن حيوانا برياً غريباً ومفترساً، رُبما لم نسمع به من قبل، اسمه الوشق المصري، يبدو حجمه متوسطا بين النمر والقط، تسلل عبر الحدود الصحراوية مع إسرائيل، وهاجم بعض الجنود هُناك وأصابهم إصابات بالغة.

 لم تمُر دقائق معدودات على تداول النبأ، حتى تحول هذا الوشق إلى بطل شعبي، فانتشرت صوره على صفحات السوشيال ميديا، وتتابعت كلمات التحية والشكر له، واستغله بعض نجوم الفن وأظهروا صورا ُلهم معه باعتباره صديق مُحبب، والأنكى أنه صار لدى البعض رمزا لانتصار الشرعية والحق والعدل.

لقد تصور البعض أن الوشق هو انتقام الله من جنود إسرائيل، وأنه يد العدالة الإلهية تقتص من جرائم الإبادة في قطاع غزة، وتقف إلى جوار الضحايا في فلسطين.

لم يكُن ذلك غريبا، لكنه كان فاضحاً لعقلية سلبية، إتكالية، متُخلية، مُخاصمة للعلم، ومستبعدة للمنطق، صالت سنينا في سراديب الخُرافة، وجالت عقوداً في مسارات الإنتهازية، فأدمنت الانتصارات المفاجئة، والمكاسب الحظية، والإنجازات غير المُخطط لها.

يبدو الوجع ناخراً في عظام الفكر المُعاصر، فلا تحفزنا آمال، ولا تقودنا أهداف، ولا توقظنا هزائم، ولا تُنبهنا انكسارات إلى لزوم الاعداد والتجهز والعمل والتخطيط لانجاز ما نريد، أو حتى لإعجاز تحقيق ما يُريده الأعداء والخصوم بنا.

نكره إسرائيل، كيانا عنصريا يمارس كل  قهر وتوحش وعدوان، فنلتمس النصر في حيوان بري غريب، يُهاجم جُنديا بعشوائية في حالة فردية نشهد مثيلاتها في بلادنا العربية كل يوم. نرقص فرحا لانتقام الطبيعة من أعداءنا دون أن نُفكر نحن في المواجهة، مثلما حدث في خريف 2016 عندما اندلعت حرائق طبيعية في مناطق متفرقة من إسرائيل بسبب التغيرات المناخية، فهللنا فرحاً مُتمنين أن تتسع الحرائق ـ جنود الله ـ لتقتلع إسرائيل بالكامل وتُفني أهلها لنرتاح من شرورهم.

يبقى دائما الحل خارج أيدينا، مع الآخرين، ويظل دورنا دوما هو المُشاهدة، كأننا نمتلك الكون فنُسيره بآمالنا لا بأعمالنا.

في كثير من الخطوب لا نُفكر أبدا فيما كان علينا فعله، ولم نفعله، ولا ما لزم الاعداد له ولم نُعده، ولا ما وجب الشروع فيه ولم نشرع. فنُحن نُريد دائماً  نصرا من الله وفتحا قريب، وأهم شىء أن يكون هذا النصرسهلاً خفيفاً لا يستلزم منا جُهدا أو تخطيطا.

لقد ذكرتني حكاية الوسق وما تبعته من تعليقات، بدعاء شائع يُردد  كثيراً في مساجدنا يقول ذاكروه “اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين، غانمين”.

ففي ظني ـ وليس كل الظن إثم ـ فإن هذا الدُعاء الإنتهازى يُرسّخ للضعف، ويروج للإنتهازية، ويفتح النوافذ لفكرة اللافعل واللافكر واللاعمل؟ وكلما رددناه على مسامع صغارنا، فإننا نُربي جيلا ساكنا ضعيفا سلبيا لا يُمكن أن يتحمل مسئولية.أى انتهازية تلك التى تتصور أن يقود الله أعداؤنا ليتحاربوا ويتقاتلوا معاً حتى يفني بعضهم بعضا فننتصر نحن بذلك ونحن نشاهد حروبهم، ثم نشمت فيهم لأنهم ظالمين.فما أسهله جهاد وما أطيبه كفاح ذلك الذى يحارب فيه الظالمون الظالمين ونخرج نحن من بين أيديهم سالمين غانمين.

فمتى نُعبر عن فرح بإنجاز حقيقي صنعته أيدينا؟

الله أعلم.

mostafawfd@hotmail.com

اترك تعليق